السعودية تلمع صورة رياض سلامة: تكرار الأكاذيب عن الانهيار!
رياض سلامة على "العربية": "غسيل سمعة"
بعد شهر واحد على إخلاء سبيله في 26 تشرين الأول 2025، سارعت قناة "العربية" السعودية إلى تلقّف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة وإعداد إطلالة إعلامية له عبر شاشتها تعيد إنتاج صورته كضحية للانهيار المالي الكبير الذي شهده لبنان عام 2019، والذي كان سلامة أحد أعمدته الأساسية.
سياسات سلامة النقدية والمالية الممتدة لثلاثة عقود، ربطت اسمه بعمليات اختلاس المال العام، والإثراء غير المشروع، والهندسات المالية وتبييض الأموال، لكن "العربية" أرادت في إطلالة واحدة، أن تغسل عنه كل ما سبق.
مغالطات وأكاذيب
أصرّ سلامة خلال الحلقة على أنّ سبب الانهيار المالي هو قرار الدولة التوقف عن دفع سندات اليوروبوند في آذار 2020. ولو أن المُحاور غير الحذِق، الذي كان مصابًا طوال الحلقة بمتلازمة الدهشة، حاول القيام بدوره بمحاججة سلامة في ما يقول، لظهرت بين يديه هذا الحقائق:
- المصارف أقفلت أبوابها في 18 تشرين الأول 2019، أي قبل خمسة أشهر من قرار عدم الدفع.
- أول تقييد للتحويلات الخارجية اتخذه سلامة نفسه في أيلول 2019.
- الإقفال المنسّق بين المصارف شكّل عمليًا أول عملية "هيركات مقنّع" على أموال المودعين منذ تشرين الأول 2019.
بهذه الحقائق، تسقط رواية "اليوروبوند" كمسبب للانهيار.
ادّعى سلامة أيضًا أنّ تهريب 6 مليارات دولار سنويًا إلى سوريا منذ 2011 تسبب بعجز ميزان المدفوعات.
لكن هذه الرواية غير صحيحة. فمعظم السلع التي تعبر من لبنان إلى سوريا تصنّف كإعادة تصدير بالدولار، ما يعني أنها لا تستنزف الدولار من لبنان بل تدخل عملات صعبة عبر دورة الاستيراد وإعادة التصدير.
قدّم سلامة نفسه خلال المقابلة كضحية “مؤامرة داخلية وخارجية” استهدفت القطاع المصرفي.
إلا أنّ الوقائع، كما وثّقتها الجهات القضائية والتقارير المالية الرسمية، تظهر صورة مختلفة:
- سلامة كان رأس السلطة النقدية لعقود، يمتلك هامش استقلالية واسعًا مكّنه من اتخاذ قرارات مصيرية دون العودة الإلزامية للسلطة السياسية.
- سياساته بما فيها الهندسات المالية ونظام الفوائد الخيالية أدت إلى استنزاف احتياطي العملات، وأغرت المصارف بامتصاص أموال المودعين مقابل أرباح غير واقعية.
- خلال أعوام، اعتمد سلامة على محاسبة مزدوجة لإخفاء الخسائر المتراكمة داخل ميزانية مصرف لبنان.
يواجه سلامة أضخم شبكة اتهامات مالية في تاريخ لبنان الحديث، ففي عدّة دول أوروبية بينها فرنسا وسويسرا، فُتحت لسلامة ملفات تتعلق بتبييض أموال وتحويلات عبر شركات وسيطة مرتبطة بشقيقه، شراء عقارات فاخرة بأموال مصدرها حسابات مرتبطة بمصرف لبنان. وقد انتهت هذه التحقيقات إلى إصدار مذكرات توقيف دولية بحق سلامة.
لعلّ اللافت في المقابلة هو القرار السعودي بمنح سلامة منصة واسعة لإعادة تلميع صورته. فالقناة التي تعكس عادة توجّهات الرياض، فتحت له المجال ليقدّم نفسه كضحية "مؤامرة" أسقطت القطاع المصرفي، ليتحوّل فجأة من أحد أبرز رموز الفساد المالي والنقدي إلى "خبير اقتصادي محايد".