هل سيطرد مجلس القضاء الأعلى المحجبات مجددًا؟ الظلم في بيت العدالة
إثر إعلان مجلس القضاء الأعلى عن حاجته إلى قضاة متدرّجين، يُثار التساؤل حول ما اذا كان سيتم إقصاء الإناث المحجبات بذريعة أنه رمزٌ ديني، وصار عرفًا بقوة الممارسة..
في هذا السياق، يعتبر الخبير الدستوري الدكتور جهاد اسماعيل، في تصريح، أنّ "الدولة اللبنانية، بحسب المادة التاسعة من الدستور، هي مؤمنة لا محايدة دينية بمفروض عبارة "تأدية فروض الإجلال لله تعالى"، وبالتالي تقر حق الأفراد في ممارسة الشعائر الدينية وإشهار معتقدهم بمفروض عبارة "حرية الاعتقاد مطلقة" أو بموجب عبارة "تكفل حرية اقامة الشعائر الدينية"، مما يعني أيّ تدبير يعيق حق الأفراد في إشهار المعتقد الديني يشكّل، بصورة مبدئية، انتهاكًا للاعتبار الّذي منحه الدستور للأفراد والجماعات على حدٍ سواء، وبالتالي تغييرًا في شكل الدولة في المعنى الإيديولوحي، وذلك بموازاة احترام المعتقد اللاديني".
وأوضح اسماعيل "لكي يصبح سلوك الإدارة عرفًا في القانون الاداري يجب أن تتوفر في هذا السلوك ثلاثة أركان: الركن المادي (الاعتياد في ممارسة سلوك على نحو متكرر وثابت)، الركن المعنوي (اعتقاد الجماعة بأن هذا السلوك واجب الاتباع)، الركن الشرعي (عدم تعارض هذا السلوك مع نص مكتوب في قوانين أو أنظمة أو مراسيم)، وبما أن النص القانوني، وتحديدًا المادة ٦١ من قانون التنظيم القضائي لم تلحظ شرط "الحجاب" من ضمن الشروط الواجب توافرها في المرشح، فيعني أن السلوك المشكو منه يخالف نصًا قانونيًا، كما يخالف تعميمًا تنظيميًا، ما زال ساريًا ما دام أنه لم يعدّل بتعميم مخالف، وهو التعميم الصادر عن رئيس الحكومة سعد الحريري في كانون الثاني ٢٠١٨، آنذاك، حيث يطلب فيه إلى جميع الإدارات العامة وكافة الأسلاك أن تلتزم بقبول جميع الطلبات ممن تتوفر فيهم الشروط القانونية بمن فيهم المحجبات، وألا يكون الحجاب عائقًا في توليهنّ الوظيفة العامة".
أضاف اسماعيل "لا يجوز ان تنتهج الادارة سلوكًا مخالفًا للنصوص، على اعتبار أن الاجتهاد الاداري يرفض اضفاء صفة العرف على سلوك متكرر مخالف للنص، بدليل أن مجلس شورى الدولة، في قرار رقم ١٢٥/٢٠١٠، أجاز، استثنائيًا وضمن حالات ضيّقة وخاصة، اعتماد عرف مخالف للقانون وذلك في حالتين: متى كانت سلطة الادارة استنسابية، ومتى كان يطبّق العرف على المعنيين به على قدم المساواة. فإذا سلّمنا جدلًا بأن الحالة الأولى متوافرة بحكم المادة ٦٢ من قانون التنظيم القضائي التي تعطي مجلس القضاء الأعلى السلطة التقديرية في قبول المرشحين ودعوة من يراه منهم مناسبًا لمقابلة مسبقة، فإنّ الحالة الثانية غير متوافرة على الاطلاق، لأنّ المساواة غير متحققة، بحيث أن هناك فرضية تقضي بإمكانية رفض معنيّة ترتدي حجابًا وقبول سواها لا تتوسّم به فور استيفاء شروط التباري، ليصبح الاعتقاد منصرمًا على أن هناك شرطًا اضافيًا على المادة ٦١ خلافًا للمنطق القانوني، في حين أن المجلس، في قرار رقم ٣٨١/٢٠٠١، كان حاسمًا بالقول أنه لا يجوز تكريس أعراف مخالفة للنصوص، وإلا صار ممكنًا، برأينا، تشكيل حالة قانونية بمجرد أن تمارس الإدارة عملًا اعتباطيًا، وهذا ما يغاير الطبيعة القاعدية للقانون لجهة أنه تعبير عمّا يجب أن يكون لا عمّا هو كائن".
أردف اسماعيل "استقر اجتهاد المجلس الدستوري على أن مبدأ المساواة هو مبدأ ذو قيمة دستورية لا يجوز مخالفته الا في حالتين: في حالة الأوضاع القانونية المختلفة، وهي حالةٌ تعني أن تكون هناك أهلية قانونية متمايزة لا أهلية دينية مختلفة، في حين أن الحالة الثانية التي تبرّر مخالفة المساواة، وهي المصلحة العامة، وهي حالة اعتبرها مجلس شورى الدولة، في قرار رقم ١٩٧/٢٠١٧، تتحقق بتطبيق النصوص تطبيقًا صحيحًا وسليمًا لا الخروج عنها، وبالتالي لا يمكن التذرع بها، مما يعني أن النص الذي لا يعتبر الحجاب عائقًا أو قيدًا فهو انعكاس للمصلحة العامة وليس خروجًا عنها، وبالتالي إن السلوك الذي يخالف نصًا يقوّض المصلحة العامة".
التمييز ضد المحجبات هو نتيجة سياسة طائفية فئوية يبدو أنها لا تزال تتحكّم في مرفق العدالة في لبنان، رغم الاعتقاد الزائف بأن زمن ما بعد اتفاق الطائف قضى على كل أشكال التمييز الطائفي.
التمييز ضد المحجبات لا يقتصر على القضاء، إذ لا تزال مؤسسات رسمية أخرى ترفض توظيف محجبات، بذريعة منع إشهار الانتماء الديني! في المقابل، تجاوزت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العقد النفسية التي تؤسس منظومة التمييز الطائفي، فقررت منذ أكثر من 10 سنوات قبول المحجبات في صفوفها. وأثبتت تلك التجربة أن وجود المحجبات في صفوف الأمن الداخلي لم يثر أي إشكالية طائفية أو دينية داخل المؤسسة.
يُذكر أن عشرات المراكز القضائية الرئيسية توزّع وفق الانتماء المذهبي. فعلى سبيل المثال، لا يُعيَّن رئيس لمجلس القضاء الا من الموارنة، ولا يصل إلى منصب المدعي العام التمييزي سوى قاضٍ سني، فيما يُخصص منصب المدعي العام في بيروت لقاضٍ أرثوذوكسي (يجب أن يحظى برضى مطران بيروت)، وكذلك كل المناصب الرئيسية في القضاء. لكن القيمين على القضاء لا يجدون في ذلك أي حرج، ولا يرون أنه يمس بمبدأ حيادية القاضي… في مقابل إشهار الذعر العنصري ضد المحجبات.